
دعوات سياسية لوقف التدخل في القرار السيادي وتفادي التشويش الإعلامي
أكد نواب ومحللون سياسيون وقانونيون، أن القرارات السيادية تمثل جوهر عمل الدولة وتتخذ ضمن إطار المؤسسات الدستورية، مشددين على أن السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء هي الجهة المسؤولة عن السياسة العامة للدولة داخليًا وخارجيًا، فيما لفتوا إلى أن محاولة التأثير على هذه القرارات لأغراض انتخابية يضعف من هيبة الدولة ويخالف الدستور.
القرارات السيادية من صلاحية المؤسسات الدستورية
ويقول عضو مجلس النواب حسين عرب إن “الدولة مقسّمة إلى سلطات، وكل سلطة لها صلاحياتها، فالسلطة التنفيذية تتخذ القرارات التنفيذية والتشريعية تراقب وتشرّع والقضائية تفصل في النزاعات وفق القانون”.
وأضاف، أن “الملفات المصيرية المرتبطة بعلاقات العراق الدولية والملف الخارجي والأمن والاقتصاد، تندرج ضمن اختصاص السلطة التنفيذية، في حين أن السلطة التشريعية تصادق على الاتفاقيات والمعاهدات وتراقب تنفيذ البرنامج الحكومي”.
وأشار إلى، أن “الحكومة الحالية حصلت على تفويض من مجلس النواب لتنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي، ولها صلاحية اتخاذ ما تراه مناسبًا بما لا يتعارض مع الدستور، وهناك آليات واضحة تنظم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية”.
وشدد عرب على، أن “القرارات السيادية، خاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية والعلاقات مع الدول، تقع ضمن مسؤولية الحكومة”، موضحًا، أن “الجهات المشاركة في الحكومة يمكنها مناقشة أي قرار مع رئيس الوزراء من خلال القنوات الرسمية وليس عبر الإعلام”.
ولفت إلى، أن “هناك فضاءات متعددة داخل الدولة لمناقشة هذه القضايا، سواء في اجتماعات التنسيق السياسي أو عبر قنوات التشاور المؤسسي، وليس من المناسب تحويلها إلى سجالات إعلامية قد تسيء لصورة الدولة”.
فيما يرى عضو اللجنة القانونية النيابية النائب محمد الخفاجي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن “القرارات السيادية يجب أن تتخذ من قبل مؤسسات الدولة وليس من أفراد أو شخصيات”، مبينًا، أن “هذه المؤسسات تشمل السلطات الدستورية كالمجلس النيابي ومجلس الوزراء”.
وأوضح الخفاجي، أن “أي تدخل غير قانوني داخلي أو خارجي بهذه القرارات مرفوض، ويعد إخلالًا بسيادة الدولة ومصالح شعبها”.
وأضاف، أن “المواد الدستورية، ومنها المادة (109) و(67)، تؤكد على مسؤولية السلطات الاتحادية في الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها، بما يشمل أيضًا دور رئيس الجمهورية باعتباره رمزًا للدولة”.
رئاسة الوزراء مسؤولة عن السياسة العليا للدولة
فيما لفت المحلل السياسي حمزة مصطفى، أن “الدستور العراقي حدد بوضوح أن رئاسة الوزراء هي الجهة المعنية برسم السياسة العليا للدولة وتنفيذها، وذلك من خلال تقديم المنهاج الوزاري إلى البرلمان للمصادقة عليه”، مشيرًا إلى، أن “السياق التنفيذي يجب أن يكون من اختصاص الحكومة حصرًا، وتركها تمارس مهامها السيادية والسياسية هو الأمر الأسلم للبلاد”.
وأضاف، أن “أي محاولات للتدخل بقرارات الحكومة من أطراف لأغراض انتخابية أو أيديولوجية، تعد إخلالًا بالعملية السياسية وتؤثر سلبًا على مؤسسات الدولة، خصوصًا أن الحكومة تسير ضمن الإطار الدستوري والقانوني ولا تواجه عوائق تمنعها من أداء مهامها”.
رسم السياسة الخارجية من مسؤولية رئيس الوزراء
من جانبه، أكد المحلل السياسي والاستراتيجي سعدون الساعدي، أن “السلطة التنفيذية ممثلة برئيس مجلس الوزراء، هي المعنية بالسياسة الخارجية للعراق، وإدارة العلاقات الإقليمية والدولية، وهي المسؤولة عن حفظ الأمن والسلم، وفقًا للمادة (80/ تاسعًا) من الدستور العراقي”.
وأضاف الساعدي، أن “قرارات الدولة العليا يجب أن تصدر عن رئيس الوزراء ومجلس الوزراء مجتمعًا، ولا يحق لأي جهة التدخل المباشر، سواء من الداخل أو الخارج، إلا في إطار الرقابة التي يخولها الدستور لمجلس النواب”.
وتابع، أن “للكتل السياسية إبداء آرائها في الشأن الداخلي، إلا أن القرارات السيادية، وخصوصًا المتعلقة بالسياسة الخارجية، تتخذ حصرًا من قبل الحكومة”، مشيرًا إلى، أن “الحكومة مسؤولة عن حماية سيادة الدولة وحدودها، ورئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة يتحمل هذه المسؤولية”.
الحصانة السيادية مبدأ دولي يعكس سيادة الدولة
بدوره، أوضح الخبير القانوني علي التميمي، أن “القرارات السيادية ترتبط أيضًا بمبدأ حصانة رؤساء الدول في القانون الدولي، وهي حصانة تمثل سيادة الدول ولا تخص الأشخاص بذاتهم”، مبينًا، أن “هذه الحصانة أكدتها العديد من الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وميثاق الأمم المتحدة”.
وبيّن التميمي، أن “الاستثناء الوحيد على هذه الحصانة يتمثل في الحالات التي يكون فيها رئيس الدولة مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية، وكانت الدولة المضيفة موقعة على نظام روما الأساسي”.
وأكد التميمي، أن “رئيس مجلس الوزراء في النظام البرلماني العراقي يتمتع بصلاحيات واسعة، نصت عليها المواد (78–87) من الدستور، وتشمل إدارة شؤون الدولة ووضع السياسة العامة والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات، وقيادة القوات المسلحة”، مشددًا على، أن “الحكومة هي الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرارات المصيرية بالتنسيق مع البرلمان، بما يعكس مبدأ السيادة للشعب وفق المادة (5) من الدستور”.
وبشأن حصانة رؤساء الدول وفق القانون والاتفاقيات الدولية، أكد التميمي أن “الحصانة الممنوحة لرؤساء الدول تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى مطلقة، سواء كانت القضايا الموجهة ضدهم تتعلق بسلوك شخصي أو رسمي”، مبينًا، أن “محكمة العدل الدولية أكدت هذا المبدأ في أحد قراراتها عام 2001، ما يعكس استقراره ضمن المنظومة القانونية الدولية”.
وأوضح التميمي، أن “الحصانة لا تعد امتيازًا شخصيًا للرئيس، وإنما هي امتياز للدولة التي يمثلها، وتشبه من حيث المبدأ حصانة النواب البرلمانيين، والتي تُمنح للشعب الذي يمثلونه، لا لأشخاصهم”، لافتًا إلى، أن “اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، واتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969، أكدت هذا المبدأ بشكل واضح”.
وأضاف، أن “هذه الحصانة تحظر على أي دولة اعتقال أو محاكمة رئيس دولة آخر عند دخوله أراضيها، حتى في حال ارتكابه جرائم دولية، انسجامًا مع مبدأ السيادة الوطنية، وفقًا لما نصت عليه المواد (1 و2 و3 و18) من ميثاق الأمم المتحدة”، لافتًا إلى، أن “مبدأ حصانة رؤساء الدول يعود بجذوره إلى اتفاقية جنيف لعام 1937، كما أُكد لاحقًا في اتفاقية عام 1973 الخاصة بحماية رؤساء الدول ومعاقبة من يعتدي عليهم، والتي تُلزم الدول المضيفة بتسهيل مهامهم وتوفير الحماية الكاملة لهم طيلة مدة وجودهم على أراضيها”.
وأشار التميمي إلى، أن “محاكم دولية في عدد من الدول، منها فرنسا والولايات المتحدة، أقرت بمبدأ الحصانة، واعتبرته قاعدة قانونية لا يمكن خرقها”، موضحًا، أن “الاستثناء الوحيد لهذا المبدأ يكون في حال وجود مذكرة توقيف صادرة من المحكمة الجنائية الدولية، وكانت الدولة التي يتواجد فيها الرئيس المطلوب موقعة على اتفاقية روما، وفي هذه الحالة تكون الدولة ملزمة بتسليمه وفقًا للمادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة”.