
مستشار حكومي: الإصلاحات الاقتصادية وضعت العراق على مسار جديد للنمو والاستقرار
أكد مستشار رئيس الوزراء صالح ماهود سلمان، اليوم الجمعة، أن الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة وضعت العراق على مسار جديد للنمو والاستقرار، وفيما بين أن البلد يخطو بثبات نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وصلابة يضع الإنسان في قلب التنمية، لفت إلى أن مشروع طريق التنمية وميناء الفاو عنوانان لمستقبل اقتصادي يربط العراق بالعالم.
وقال سلمان في حديثه إن “العراق يقف اليوم عند مفترق تاريخي، بعدما ارتفع احتياطيه الأجنبي والذهبي، وتوسعت مشاريعه الاستثمارية والبنى التحتية، في مسار يؤسس لاقتصاد أكثر تنوعاً وصلابة يضع الإنسان في قلب التنمية”.
وأوضح ،إن “الاقتصاد العراقي ليس مجرد أرقام في الموازنة أو بيانات تصدرها المؤسسات المالية، بل هو قصة بلد عانى لعقود من أزمات متلاحقة تركت أثرها في حياة الناس ومعيشتهم اليومية”.
وأضاف “فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، دخل العراق في دوامة الحروب والحصار، ما أخرج مصارفه من المنظومة المالية العالمية، وأضعف قدرته على جذب الاستثمارات، وأدى إلى اعتماد شبه كلي على عائدات النفط. وبعد عام 2003، ورغم الانفتاح الكبير على الأسواق الدولية، بقي جزء مهم من المصارف أشبه بـ”واجهات شكلية” لبيع العملة عبر نافذة البنك المركزي، ولم تتمكن من ممارسة العمل المصرفي الحديث، فيما بقيت الشركات العامة عبئاً ثقيلاً على الموازنة من دون مردود إنتاجي يوازي ما تستهلكه من موارد”.
وتابع إن “هذه الصورة القاتمة ترافقها مشكلات أخرى، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وضعف القطاعات الإنتاجية، والبيروقراطية الثقيلة، فضلاً عن الفساد الذي استنزف موارد الدولة”.
ولفت سلمان إلى أنه “وأمام هذه التحديات المعقدة، جاء البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني حاملاً معه جملة من الأولويات المركزية، وكان الإصلاح الاقتصادي في مقدمتها، إلى جانب إصلاح النظام المصرفي، وتفعيل الدفع الإلكتروني، واستكمال الخزينة الموحدة، وتحسين بيئة الأعمال، وإصلاح المنظومة الضريبية والكمركية، وهكذا بدأ العراق يتهيأ لمرحلة جديدة، بعدما أدركت الحكومة أن الاستمرار بالنهج القديم لم يعد خياراً ممكناً”.
وأضاف في حديثه “ومن هنا برزت الحاجة إلى مواجهة الإرث الاقتصادي الثقيل الذي كبّل البلاد لعقود طويلة، فقد ظل الاقتصاد أسيراً لريعية النفط، فيما تراجعت القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية وارتفعت معدلات البطالة والفقر، ولعل الخطوة الأولى كانت إعادة النظر بدور الشركات العامة والجهاز الحكومي، إذ شُكّلت لجان عليا لإعادة هيكلتها وفق فلسفة جديدة تجعل الدولة “مديراً لا مالكاً”، وهو ما مثّل بداية عملية لإصلاح شامل يمهد لاقتصاد أكثر مرونة”.
وأشار سلمان “وبينما كانت هذه الجهود تتعلق بالبنية المؤسسية، فإن الإصلاح المالي شكّل الوجه الآخر للعملية، فاعتماد موازنة ثلاثية السنوات (2023–2025) لم يكن مجرد إجراء محاسبي، بل خطوة غير مسبوقة ركزت على الإنفاق الاستثماري بدلاً من التشغيلي، وأطلقت معها حزم ضريبية إصلاحية تستهدف رفع الجباية بنسبة ثلاثين في المئة بحلول 2025. ومع اعتماد الخزينة الموحدة والتحول إلى الأتمتة والدفع الإلكتروني، سرعان ما انعكست هذه القرارات على الإيرادات التي سجلت قفزة ملحوظة تجاوزت المئة في المئة مقارنة بالسنوات السابقة”.
وأكد علي أنه “ومع أن ضبط الموازنة كان ضرورياً، إلا أن إصلاح القطاع المالي وحده لا يكفي من دون معالجة عصب الاقتصاد متمثلا بالنظام المصرفي، وهنا جاء انطلاق منصة التمويل التجاري الجديدة في تشرين الثاني 2022 ليغيّر طبيعة العمل المصرفي في العراق”.
وتابع في حديثه “فمن خلال ربط التحويلات الخارجية بالمصارف الأهلية تحت إشراف البنك المركزي، جرى ضبط السوق الموازي وانخفض الفارق بين السعرين الرسمي والموازي بأكثر من ستين في المئة، وبالتوازي، بدأت عملية إعادة هيكلة مصرفي الرافدين والرشيد بدعم دولي، ما حوّل المصارف من مجرد وسطاء للعملة إلى مؤسسات مالية حديثة، حتى وصفت الخزانة الأمريكية هذه الخطوة بأنها “إنجاز تاريخي””.
ولفت إلى أنه “ومن رحم هذه التحولات المصرفية انبثقت تجربة الدفع الإلكتروني التي سرعان ما أصبحت العنوان الأبرز للإصلاح، فما أن أُلزما الدوائر الحكومية باستخدامه حتى اتسعت التجربة لتشمل القطاع الخاص، لترتفع نقاط البيع من عشرة آلاف في عام 2022 إلى خمسين ألفاً في 2025، ويقفز حجم المدفوعات الشهرية من تسعين مليار دينار إلى أكثر من خمسمئة مليار، كما ارتفع عدد البطاقات المصرفية إلى اثنين وعشرين مليوناً، وقفزت نسبة الشمول المالي من أقل من عشرة في المئة إلى أربعين في المئة خلال ثلاث سنوات فقط، وهو إنجاز اعتبره البنك الدولي فريداً مقارنة بدول مستقرة استغرقت عقداً كاملاً لتحقيق ما أنجزه العراق في سنتين”.
وقال سلمان “ولأن المال يحتاج إلى بيئة تستوعبه، فقد كان من الطبيعي أن تمتد الإصلاحات إلى مجال الاستثمار والبنية التحتية، وهكذا وُلد مشروع “طريق التنمية” وميناء الفاو الكبير كعنوانين لمستقبل اقتصادي يربط الخليج بأوروبا، فيما جرى توقيع اتفاقيات مع البنك الدولي لتمويل مشاريع في السكك الحديدية والطاقة والمياه، أما داخلياً، فقد شرع العراق في توطين الصناعات الدوائية والإنشائية وافتتاح مشاريع صناعية بمختلف الأحجام، إلى جانب إطلاق مبادرات للطاقة الشمسية في المصانع لتخفيف الضغط على الشبكة الوطنية، وبذلك أصبحت الإصلاحات أكثر شمولية، لا تقتصر على المال والمصارف بل تمتد إلى البنية الإنتاجية والتنموية”.
وتابع في حديثه “وإذا كانت الخطط والسياسات مهمة، فإن لغة الأرقام تبقى الشاهد الأصدق على حجم التحول، فقد ارتفع الاحتياطي الأجنبي إلى 106 مليارات دولار في آذار 2025 بعد أن كان 86 ملياراً في نهاية 2022، بنسبة نمو بلغت أكثر من اثني عشر في المئة، وصعد احتياطي الذهب من 130 طناً إلى 163 طناً خلال الفترة نفسها بزيادة قدرها خمسة وعشرون في المئة. أما التضخم، فانخفض من 7.5% إلى 2.7%، وهو ما يعكس استقراراً نقدياً ملموساً”.
وزاد “وفي القطاع المصرفي، تضاعف عدد الحسابات من ثمانية ملايين إلى عشرين مليوناً، وارتفع عدد البطاقات المصرفية من ستة عشر إلى اثنين وعشرين مليوناً، كما قفزت البنية التحتية للدفع الإلكتروني بقوة، فارتفعت نقاط البيع من عشرة آلاف إلى خمسين ألفاً، وزادت المدفوعات الشهرية بنسبة 460%”.
ولفت إلى أن “هذه المؤشرات لم تقف عند هذا الحد، إذ تراجع الفارق بين السعر الرسمي والموازي بأكثر من ستين في المئة، وارتفعت نسبة الشمول المالي إلى أربعين في المئة بعد أن كانت أقل من عشرة في المئة قبل عامين فقط، كما وُقّعت اتفاقيات تمويل دولية بقيمة 1.2 مليار دولار، وارتفعت الحصيلة الضريبية في 2024 بنحو ثلاثين في المئة مقارنة بالسنة السابقة، وفي ميدان التحول الرقمي، دُشّنت بوابة “أور” الإلكترونية والجواز الإلكتروني، وأُلغيت معاملات صحة الصدور عبر نظام الوثائق المؤمنة الذي عالج أكثر من خمسة عشر مليون معاملة. أما في الجمارك، فقد ارتفعت الإيرادات إلى 2.131 ترليون دينار في 2024 مقابل 1.03 ترليون في 2023، بنسبة زيادة بلغت 106%، وبمعدل نمو بلغ 128% مقارنة بما قبل 2022”.
وشدد سلمان على أنه “لم تقتصر التحولات على المال والإيرادات، بل شملت المبادرات التنموية أيضاً، فقد أطلق البنك المركزي والمصارف الحكومية برامج لدعم الإسكان والطاقة المتجددة وريادة الشباب والمدن الصناعية، كما تأسس صندوق العراق للتنمية ليكون ذراعاً تمويلية جديدة. وفي القطاع الصناعي، انطلقت خطوات عملية لتوطين الصناعات الدوائية والإنشائية، وافتُتحت مشاريع إنتاجية متنوعة، وأُطلقت مبادرات لتجهيز المصانع بالطاقة الشمسية، إلى جانب توقيع اتفاقيات مع اتحادات صناعية عالمية”.
وأشار إلى أنه “ومع كل هذه النتائج، لا يمكن إنكار أن الطريق ما زال مليئاً بالتحديات، فما زال النفط يشكل العمود الفقري للموازنة، وما زالت البيروقراطية والفساد عائقين أساسيين أمام توطيد الإصلاح، ومع ذلك، تبدو الأهداف التي وضعتها الحكومة حتى 2026 طموحة وواقعية في آن واحد: تقليص الاعتماد على النفط إلى أقل من 85% من الإيرادات، وخفض العجز المالي إلى أقل من 3% من الناتج المحلي، وتحسين التصنيف الائتماني للعراق، واستكمال التحول الرقمي في المالية العامة”.
واستدرك بالقول “وهكذا يقف العراق اليوم عند مفترق تاريخي. فبعد عقود من الأزمات والاضطرابات، بدأت الإصلاحات تتحول إلى حقائق ملموسة بالأرقام والمؤشرات، وصحيح أن الطريق ما زال طويلاً، لكن ما تحقق في فترة قصيرة يثبت أن التغيير ممكن متى ما توافرت الإرادة السياسية والرؤية الواضحة”.
ولفت إلى إن “العراق بدأ يخطو بثبات نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وصلابة، اقتصاد يضع الإنسان في قلب التنمية، ويمنح الأجيال المقبلة أملاً في وطن قادر على النهوض من جديد”.